قلـــــب الأمــــ .. مختلف عن القلوب كلها ، وغايته مختلفة عن غايات القلوب جميعها ، الحب عقيدة عطاء عندها دون انتظار مقابل ، لا أوله هزل على طريق الجد ، ولاتدرك حقيقته من خلال المعاناة والتجربة ، لم تختلف فيه الشرائع والديانات ، ومااختلف الناس في ماهيته ، ولاقالوا ولاأطالوا ، ليس لحبها علامات ومراحل من إدمان للنظر والإقبال بالحديث ، والإسراع بالسير نحو مكان المحبوب ، أو التعمد للجلوس بقربه ، والدنو منه ، ولابهتا يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من تحب ، لامعيار شكليا يحدده ويحكمه ، حب الفطرة والسجية ، تلقائية المشاعر وأبدية الشعور ، قلبها المحب يرى مالايراه الناظرون على خلاف القول السائد : " قلوب العاشقين لاترى مايراه الناظرون " ، وعلى هذا أسوق قصة … وأبياتا :
يقال أن رجلا أحب امرأة حبا شديدا ، فرفضت حبه وكان لها غلاما تحبه حبا شديدا ، ولاتريد حبا آخر يخالط حبها لابنها . ذهب الرجل المحب إلى ابنها وأغراه بالمال والجواهر على أن يأتي بقلب أمه إليه ، فذهب الغلام بخنجره ، ومشى إلى أمه وهي نائمة ، وأغمد الخنجر في صدرها ، وأخرج قلب أمه ، وسار مسرعا ومن هول فعلته وفزعه ، سقط على الأرض وسقط معه قلب أمه ، فناداه قلب الأم : ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر ، فتأثر الغلام من الصوت ، وشعر وكأن السماء والأرض انطبقت عليه ، وهو بينهما ، فأراد أن يقتل نفسه ، ويكون عبرة للآخرين ، فأخذ الخنجر مكفرا عن فعلته يريد طعن نفسه ، فناداه قلب الأم : كف يدا ولاتطعن فؤادي مرتين على الأثر .
قال أبو القاسم الشابي :
أغرى امرؤٌ يوماً غُلاماً جاهلاً
بنقوده حتى ينال به الوطرْ
قال : ائتني بفؤادِ أمك يافتى
ولك الدراهم والجواهر والدرر
فمضى وأغرز خنجرا في قلبها
والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المعفر إذ عثر
ناداه قلب الأم وهو معفر
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
فكأن هذا الصوت رغم حنوه
غضب السماء على الوليد قد انهمر
ورأى فظيع خيانة لم يأتها
أحد سواه من منذ تاريخ البشر
وارتد نحو القلب يغسله بما
فاضت عيناه من سيل العبر
ويقول ياقلب انتقم مني ولا
تعفر فإن جريمتي لاتغتفر
وإذا رحمت فإنني أقضي انتحارا
مثلما يوضاس من قبلي انتحر
واستل خنجره ليطعن صدره
طعنا سيبقى عبرة لمن اعتبر
ناداه قلب الأم كف يدا ولا
تطعن فؤادي مرتين على الأثر
واحبكي يا امي ربي يخليكي لينا
مع تحياتي